“ابق عينيك على النور لتعبر كل هذا الظلام”، مقولة قد تتبادر إلى ذهنك وأنت تتأمل تفاصيل اختتام مهرجان الفوانيس الطائرة ” حلمة” بمدينة طبرقة.
والنور في “حلمة” يتجلى في تعبيرات مختلفة، سواء من خلال المبادرات التي يطلقها شباب الجهة ليكسروا حاجز اللامركزية، أو من خلال اقبال المواطنين على الأنشطة الثقافية، أو من خلال الفوانيس الطائرة التي زينت سماء طبرقة. والنور أيضا في الموسيقى التي ملأت الأثير في شاطئ طبرقة، فكانت ” حلمة” تجلّيا فنّيا ورمزيا لمواجهة قتامة الواقع الذي لا يخلو من تهميش وصعوبات تمس كل المجالات. في السماء نور.. وهل لك أن تتخيل سماء طبرقة ليلا، موشّحة بالفوانيس الطائرة، أنوار مبعثرة تنعكس على صفحة البحر فتجعل من المكان لوحة ساحرة تسرّ الناظرين.
وفي قلب البحر، من على ظهر سفينة تابعة للبحرية التونسية انسابت الألعاب النارية لتملأ المكان فرحا وحياة وتراود نظرات الأطفال وضحكاتهم البريئة، كل الأعناق كانت مشرئبة إلى سماء طبرقة، المدينة التي نسج شبابها حلما من رحم العدم. ألعاب نارية وفوانيس طائرة، وابتسامات وفرح كثير احتضنته طبرقة في اختتام مهرجان الفوانيس الطائرة بطبرقة، فرح من شأنه أن ينسي إدارة المهرجان ضغط التنظيم والصعوبات التي من شأنها أن ترافق أي تظاهرة محلّية. أكثر من ثلاثة آلاف فانوس طائر ، أطلقتها أيادي مرتادي المهرجان، الذين لم يعييهم الوقوف ولا الانتظار الناتج عن بعض الطوارئ التقنية، فكانت عنوانا للحرية ولحب الحياة والانتشاء بالفن. في الأرض موسيقى.. وباستثناء الفرقعات الساحرة للألعاب النارية والتي أغرت الجميع بمتابعة رقضاتها في سماء طبرقة، كان لصوت البحر موسيقى خاصة، وكان لصوت روّاد المهرجان موسيقى عنوانها الوجود والتواجد. وبعيدا عن الموسيقى الخاصة التي أحدثتها اللحظة الاستثنائية لإطلاق الفوانيس الطائرة على شاطئ طبرقة، فإن ركح المهرجان كان فضاء لموسيقى ضاربة في الاختلاف والتنوّع راوحت بين الموسيقى الشعبية التونسية وبين الموسيقى الغربية والريغاي. وكان الجمهور، الذي غضّ به الشاطئ حتّى أنّك لا تكاد ترى آخره، على موعد مع مجموعة ” Thaïs de Cérisy” و”العزارة لايف باند” من تونس ، و”ديموكراتوس” من الجزائر، تلوينات من الألحان والإيقاعات أغرت الأجساد فتمايلت على وقعها. ومع مجموعة ” Thaïs de Cérisy”، حاكت إيقاعات الدرامز حماسة الجمهور، وكانت نغمات الكلافيي تعانق الفوانيس المتلألئة في السماء، فيما ترسم ألحان الغيتار الكتريك معالم مغامرة لا تعترف بالحدود ولا الحواجز. ومع أولى النقرات على الطبلة، انسابت الزغاريد حرّة طليقة تعانق النسمات البحرية، وتترجم الفرح والانتماء إلى هذه الأرض، التي تزيّت بالشموع وكأنّها تلعن السوداوية التي تتسلل بين الفجوات. وبأغنيات من الموروث التونسي، على وقع الطبلة والكاخون والغيتارة مسّت “العزارة لايف باند” مكامن الانفعالات في صفوف الحضور، وكان أن كان رمل الشاطئ شاهدا على خطواتهم الراقصة. ومع “ديموكراتوس”، هام المولعون بالريغاي مع الايقاعات والألحان والكلمات الملتزمة التي لا تخلو من رمزية، ذلك أن هذا الفن يلامس أحوال الشعوب وهواجس الأفراد. “حلمة”.. وفي سماء مدينة الطبرقة كان ضياء القمر وهّاجا وكأنه يحتفي بالفوانيس الطائرة التي آنست وحدته، وكأنّه يعبّر عن فرحه بحكايات الحب التي احتضنها شاطئ طبرقة، وعن الأمل والحلم وكل تلك الأحاسيس الجميلة التي تماهت مع النسمات ومع الموسيقى وصوت البحر. هنا “حلمة”.. في السماء نور وفي الأرض موسيقى وفي قلوب شباب الجهة ممن وهبوا وقتهم وجدهدهم لمهرجان الفوانيس الطائرة حلم وشغف، فكانت كل الفعاليات التي مست كل الأذواق وكل الفئات عنوانا للمحبّة والأمل.
يسرى الشيخاوي