بعد أن استعدّت فرنسا عسكريا وسياسيا وإعلاميا لاجتياح البلاد التونسية، خيّرت بدأ حملتها العسكرية انطلاقا من الشمال الغربي للإيالة التونسية، وذلك يوم 24 أفريل 1881 بتسرب الجيش الفرنسي من حدود الجزائر. وكان يتكون من ما بين 25 و35 ألف عسكري، وأسندت قيادته إلى الجنرال فورجمولForgemol .
لم تستطع قبائل خمير الحصول على التأييد والمساعدة، من سلطة الدولة أو السلطات العثمانية ولم تستطع تكوين قيادة موحّدة بين القبائل ورغم علمها المسبق باختلال موازين القوى لغير فائدتها فإنّها صممّت في مقابل ذلك على التصدّي بما أوتيت من أسلحة عتيقة لمواجهة القوّات الفرنسية.
بدأت المواجهات الأولى بطبرقة عندما حاولت بعض القبائل (الوراهنية وأولاد يحي ) تعطيل عملية إنزال القوات الفرنسية التي لجأت إلى استعمال المدفعية وتهديم البرج، كما اشتبك أهالي خمير بطبرقة مع هذه القوات في واقعة المنصورة. ومن أهم المعارك الأخرى يمكن الإشارة إلى المواجهة التي تمّت بفج كحلة يوم 26 أفريل وكاف شراقة يوم 29 أفريل 1881. كما حاولت بعض قبائل خمير التصدّي للقوات الفرنسية بعد أن احتلت هذه الأخيرة منطقة سيدي عبد الله وبني مطير. وقد عثر يوم 10 ماي قرب المريج على جثّة ضابط صفّ وجنديين تابعين للسرّية السادسة عشر لنقل المعدّات، ويبدو أنّ هؤلاء كانوا يقومون بعملية استكشاف للمنطقة أو أنّهم تخلفوا عن باقي الجنود فتمت مباغتتهم وقتلهم في الغابة من قبل بعض مقاتلي خمير. كما حاول أهالي السلالمة والقوايدية التصدّي لقوات الجنرال لوجرو فاحتلوا خنقة الحمام (والمعروف كذلك بحمام القوايدية قرب بني مطير) وصمدوا مدّة ثلاث ساعات.
كما لجأ بعض محاربي خمير إلى الاعتماد على الهجومات الخاطفة ثم الانسحاب كلّما كان ذلك ممكنا واتّبع هؤلاء شكلا من أشكال حرب العصابات لاقتناعهم بأنّهم غير قادرين على إتّباع طريقة المواجهة المباشرة بسبب عدم توازن القوى.
وبالإضافة إلى تصدي القبائل الجبلية للقوات الفرنسية بجبال خمير فإنّ البعض منها شارك أيضا في معركة بن بشير التي دارت يوم 30 أفريل 1881 بسهول مجردة الوسطى وتذكر المصادر حول هذه المعركة أنّ الجنرال لوجرو كان قد وجّه تحذيرا إلى علي باي للابتعاد أكثر ما يمكن على ميدان العمليات وهذا ما فعله هذا الأخير. ولكنّه في الأثناء سرّح بعض الجنود أصيلي المنطقة تاركا لهم أسلحتهم فالتحق هؤلاء بخمير في الجبال … ولمّا ظهرت عساكر “القومية” التي سبقت مجموعة الاستطلاع وقع مواجهتها بوابل كثيف من الطلقات النارية من قبل الشيحية، وقد تواصلت المعركة من الثامنة صباحا إلى السادسة مساءا. ويذكر أنّ أولاد بوسالم قد خلّفوا 20 قتيلا من ذويهم على أرض المعركة. أما الشيحية وعمدون فقد تراجعوا نحو الشمال وكلّهم رغبة في الثأر لموتاهم طالبين مساعدة قبائل الرقبة التي لم تستجب لندائهم بحكم سيطرة القوات الفرنسية على كامل أراضيهم. وقد قدرت المصادر الفرنسية عدد الضحايا من الجانب التونسي بين 150 و300 بينهم نساء وأطفال.
يقيّم أحد ضباط مخابرات الجيش الفرنسي الأحداث التي دارت آنذاك فيقول :”ولكن لا يجب أن نتخيّل أنّ هذا السير إلى الأمام كان مجرّد نزهة عسكرية. فقد وقعت معارك عديدة في جبل أم السكك وخنقة المريج ووادي الزان قتل خلالها العديد من الضباط والجنود وهم مدفونون حاليا بالمقابر العسكرية بعين دراهم وطبرقة”.
وكردّ فعل على هذه المواجهة الشرسة قامت القوات الفرنسية اثر نجاحها في احتلال المنطقة بتنفيذ العديد من الإعدامات لترهيب الأهالي وفرض عقوبات مالية على القبائل والأشخاص الذين حملوا السلاح ولو لمدّة قصيرة، كما قامت بنفي العديد من الأهالي سواء نحو الجزائر أو نحو فرنسا .
وقد خضعت منطقة سهول مجردة الوسطى في مرحلة أولى من سنة 1881 إلى سنة 1886 إلى حكم السلطات العسكرية الفرنسية . ثمّ في مرحلة أخرى وبالتحديد في 13 أكتوبر 1895 لم تعد فيه منطقة خمير خاضعة للإدارة العسكرية الفرنسية المباشرة، وأصبحت بذلك جزءا من المراقبة المدنية بسوق الأربعاء.
مقتطف من كتاب عبد الحميد الهلالي ، تاريخ جهة جندوبة علاقة الحركة الوطنية بالأرياف 1881-1956.