أعينُ دراهم إنّي بك متيّمٌ ولِهٌ، مُغرًمُ
وليس لي سواكِ بعد الحبيب طَهَ حبيبُ
بعينيَّ هَوَاك بريقٌ ، يكاد ينطق ، يتكلّم
وكلامي إليكِ صَداهُ في كلّ آوِنَةٍ نَسِيبُ
وجراحُ قلبي ، عند لُقياك بالفجاج تَلْأَمُ
فإنّما أنت الّدواء والبَلْسَمُ لي، والطّبيب
وما أنْت لي في الصّبابة إلاّ مرشد يُعلِّم
سأبقى لك بالوهاد تلميذا حتّى المَشيب
عند إقْبَالي أُحِسُّ أنّ رُموشَك عليّ تُسَلِّم
ولمّا أحُلُّ بين الخمائل أرانِي منك قريب
بالغاب سحرٌ،نبضُ سعادةٍ يَنْشُدُها مُتألِّم
وهل يعرف سرَّ التّغَرُّب ِإلاّ الغَريب ؟
غريبٌ بأَطْلالِك عند لِقاكِ وَجْدُه يَبْسِمُ
بين الدُّروب ،ِ بقلبه لَوْعةٌ حَرَّى ولَهِيبُ
شِبْلٌ يَشُقُّ أدغالَ جِبالك صَائِدا لا يَسْأمُ
كشّافٌ بالقمم لا يخيفُه صَعْبٌ عَصِيبُ
جوّالٌ حُبُّكِ سَكنَ قلبَه ومن حضنِك يُحْرَمُ
فسَهمُ هَوائِكِ وهَواكِ لا يرْحَم إِذْ يُصيب
غَمامُك ،صَقيعُك ، ينابيعُك كلُّ شيْءٍ يُلْهِم
سَبَيْتِ مُهَجا وأُغْرِم بكُثْبانِكِ شَبابٌ وشِيبُ
فإن تزيّنْت رَبيعًا فألوانُ زَهْرِك نارٌ تُضْرِمُ
فُؤادَ المحبِّ تصْهَدُ ،فهي المُنْجِد والمُجِيب
وإن تبرّجْت صيفًا ،بالنَّسِيمِ العليلِ أَبِيتُ أحلُمو
إن تمَيّدْتِ فأنتِ أحلَى: تَجْعَلينِي هائما سَليبُ
خريرُ مائِك نَغَمٌ حُلْوٌ، لَحْنٌ مَلائكِيٌّ ، بل تَسْنِيم
الوادِي لهُ صَدًى لمِزْمارٍ سِحريٍّ فيهِ تَشْبِيبُ
نديّةُ الأزهار:النّحلُ من القُبَلِ لخُدُودِها لا يسْأم
وتقْبيلُ خدودِِ الورودِ الغَضَّةِ مع الشّروقِ يطيبُ.
ولمّا نرى أشعَّةً بين الأفنانِ خيوطا ذهبيةً تُنْعِم
تبعث الحياة فالكلُّ يَحْيَا،أوفي الغابِ شيءٌ رَتِيبُ ؟
ثمارُكِ هِبَةُ اللهِ غذّاها بينَ الظِّلالِ ندًى ونَسِيمُ
في الفَجَواتِ بينَ الزَّانِ والفِرْنانِ بَرَاها المُجيبُ.
وتُسمَع لأوراقِ أشجارٍ باسِقاتٍ حَفِيفٌ وَتَرْنِيمُ
يشحَذُ الرُّوحَ فتَجْرِي القوافي، سجْعٌ بَوْحٌ أَدِيب
لمن يهْوَى سُفوحَك يَتَسَلَّقُ قِمَمًا يغامر،لا يَنْدَمُ
ويسْعى لرُكوبِ شِدَادِ المخاطرِعنيدٌ جَرِيءٌ نَقيب.
وأسعَدُ وأشْقى، والخطرُ بي مُحدقٌ، قضاءٌ مُبْرَم
وأمْرُ المتيّمِ، المُحِِبِّ ،في دُرُوبِِ الهَوَى لعَجِيب
أرى بعينِ مُحِبٍّ ثُلُوجًا على رُبَاكِ تنْزِلُ تَتَكَوَّمُ
ولكنّ عقلي ورُشْدِي عند لُقْيَاكِ بالجبالِ يَغِيبُ.
يذوب ُالجَليدُ ، وتخرُج البلابِلُ تشدُو وتَتَرَنَّمُ
تحلِّقُ تُرَفرِفُ تَخْفِقُ ، فنَسْمَعُ للكائناتِ دَبِيبُ
وأصْواتًأ صادحةً ، شفاءٌ لقلبٍ مُسْقَمِ يتَبَرّمُ .
ففي الغاب عِطْرٌ شذيٌّ مُنعِشٌ ، يَنْعَمُ بِهِ لَبِيب
في دورٍ غطّاها قِرْمِيدٌ لهُ رَوْنَقٌ ، فنّ ٌوَتَصْمِيمُ
ولثمارِك نكْهَة ٌلا يعرِفُها إلاّ زائرٌ ذوّاقٌ مُصيب .
أَوَنَظْلِمُ هاوٍ، بحُسْنِ ساكنَةِ الطّرْفِ عارفٌ عليم؟
بالدّنيا لكلٍّ مِنّا حظٌّ وقِسْمَةٌ في أرضِهِ وَنَصِيب
وفي حبّ الأوطانِ : مَن يُقَضّي الحياةَ تائِهًا مُعْدَمُ
ومَن يعشْ أميرا مُنَعَّمًا، للقُلوب الجيّاشَةِ يُذيب .
فلْيَسْعَدْ سَعيدا هانِئًا لا يشقى بالموطن لا يتألّم ُ.
فَفِي وِصَالِِ مَسْقَطِ الرّأْسِ إنّ الحبيبَ لا يَخِيبُ.
شعر الصادق الهلالي